ستيف جوبز وقصة صعود أبل "الجزء الرابع"


لفترة طويلة كان ستيف جوبز و"بيل جيتس"صديقين لدودين، لكن حينذاك كانت أبل في مفترق حاسم، وكان الجوبز في حاجة إلى أن ينحي اختلافهما جانبًا

كان جوبز بأناقته وسحره المعهودين، قد صار مليونيرًا أولًا وأصبح و وجه تطوير التكنولوجيا، لكن بمجرد أن طرحت مايكروسوفت أسهمها للأكتتاب العام، حلقت اسهم جيتس عاليًا وبسرعة ليصبح في وقت قصير من أغنى أغنياء أمريكا
في مقابلة تلفزيونية بعد بضع سنوات، كان الجوبز حادًا بشكل بالغ الفظاظة وصف مايكروسوفت. قال:(( ليس لهم ذوق.لا أعني ذلك على مستوى صغير أعني ذلك على مستواى كبير، بمعنى أنهم لا يفكرون في أفكار أصليه ولا يضعون كثيرًا من الثقافة في منتجاتهم )).
سلّم جوبز  بأن  مايكروسوفت تستحق نجاحها في معظمه، لكن أضاف (( لديّ مشكلة في فكرة أنهم يصنعون منتجات من الدرجة الثالثة حقًا ))

بحلول أواخر التسعينات، رأي أصاحب"ماك" المخلصين لأبل بأن شركتهم تبدو أشبه بالنملة أمام عمالقة مايكروسوفت في المعركة الدائرة على حرفية الكمبيوتر وسهولة استخدامه.لكن مع تهاوي مبيعاته ماكنتوش وغموض مستقبل نظام تشغيل الجديد لم تكن مايكروسوفت لتلتزم بمواصلة صناعة برمجهها الشهير "إكسل"و "وورد" لماك ولذا يتطلب مختلفه عن ويندوز (ولا يزال ذلك صحيحًا لكن أهميته أقل الآن لأن الكثير من المحتوى يأتي عبر الانترنت ).

بينما لم تكن أبل لتملك منتجات جديدة أو نظام تشغيل جديدًا لبعض الوقت عرف جوبز بالغريزة أنه في حاجة إلى تغير الطريقة التي يرى بها العالم -وحتى موظفوه- وليدَه. بالضبط كما عاد إلى صديقه القديم "بيل جيتس" ذهب إلى مسؤولي الدعاية الذين صنعوا إعلان ما كنتوش 1984، ليمارسوا عملهم السحري مرة أخرى.

لم يكن جوبز يريد الدعاية لمنتجات ، بل كان يريد أن يعرض قيم الشركة بالطريقه نفسها التي كانت "نايكي" تحتفل بها بالألعاب الرياضية والرياضيون من دون أن تذكر أحذيتها. قال مفسرًا -وهو يرتدي الكنز السوداء المعتادة ،والشورت والصندل- في أحد الاجتماعات : زبائننا يريدون ان يعرفوا: ما هي أبل؟ وماذا نمثل؟ أين مكاننا في العالم ؟ما نفعله لا يتعلق بمجرد صناعة صناديق تساعد الناس على القيام  بأعمالهم، مع أننا نفعل ذلك بشكل جيد. بل تتمحور حول شيء أكبر من ذلك .
فاز الاعلان بجائزة "إيمي" وأستمرت حملة الصحف التلفزيونية بفعالية لخمس سنوات أثار الأمر في جوبز بعمق. حين عرضه على صحفي من "نيوزويك" للمرة  الأولى بكى وأصيب بغةه مرة أخرى وهو يصفه لكاتب السيرة"وأتى آيزاكسون". قال: "من حين لآخر أجد نفسي في حضره النقاء -نقاء الروح والحب- ودائمًا ما يبكيني ذلك. يتوغل في أعماقي دائمًا ويسيطر عليّ. كان هناك في هذا العمل، لن أنساه أبدًا.
نجح عمل فريق الإعلان. لكن بالنسبة إلى جوبز كان عليه أن يُرى العالم منتجات تبرهن علي أن أبل تستطيع حقًّا أن ((تُفكر بأختلاف)) حتى يصلح أبل بحق. 
 
بالنسبه إلى جوبز، كان الجزء الأخير من عام 1997 منهكًا، كان ينهي عمله في وقت متاخر من الليل، ويصل البيت إلى العاشرة مساء، ويدخل الى السرير، ليستيقظ في السادسه صباحًا وياخذ حمامًا ويعيد الأمر مرة أخرى. قال:((لمم أعرف هذا الإرهاق قطُّ في حياتي)). كان يشرف بدقة على أبل وعينيه على بكسار

كان الكثيرون في الصناعة يشككون في أمكانيه أصلاح أبل. 
ولكن 
انتشى جوبز بإبداعه المتفرد ورآه جوهر تصميم عظيم. وقال إن معظم الناس يرون أن التصميم هو الطريق التي يبدو عليها شيء ما . وأضاف مفسرًا:" مثل نسيج الستائر والاريكة". لكن بالنسبه إليه:(( التصميم هو الروح الأساسية للإبداع الذي يصنعه الإنسان، الذي يتجلى في النهاية في طبقات خارجية متتابعو من المنتج والخامة)).وقال: ((إنه ليس فقط شكل المنتج أو ملمسه لكن كيف يعمل)).

كان حرف ال"آي" في  آيماك الجديد على ما يفترض اختصارًا لانترنت، لكنه أيضًل اختصارًا ل (فرد، إرشاد، تعليم، إلهام).
في إجتماع "ماركولد" لسنه 2000،  قال جوبز للحشد إن أبل ستقدم نظام تشغيل جديدًا يعتمد على برمجيات حصلت عليها من "نيكست" قريبًا.
 بابتسامة قَبِل جوبز الاحتفاء، لكنه أشار إلى أنه جزء من فريق وأضاف: ((أقبل شكركم بالنيابة عن كل شخص في أبل)). 
تم افتتاح أول محلين: في تايسونز كورنر، بفيرجينيا ،وفي جلندايل، بكالفورنيا،في ربيع 2001، ولكن من دون منتجات رائجه لم يكن هناك سوى القليل جدًا مما يمكن أن يبيعه جوبز.
في أواخر التسعينات، وبينما كان جوبز ينقذ أبل ويعود ذهابًا وايابًا إلي"بكسار" بدأ يتكون حصى في كليتيه.
حثته الطبيبة على متابعة الأمر، لكنه لم يفعل.بعد عد  أيام، أتصلت به وكررت عليه:"إنه أمر مهم جدًا"
 اخذ موعد للمتابعة، وجد الأطباء ورمًا كان جوبز وقتها في الثامنة والاربعين .كان ذلك في خريف 2003.
  
عادةً ما يكون سرطان البنكرياس سريع النمو وقاتلًا، لكن جوبز اصيب بنوع نادر بطيء النمو في جذر الخلايا التي تفرز الانسولين اسمه "ورم الغدد الصماء العصبية" واوصى الأطباء بإجراء جراحة على أمل السيطرة على السرطان قبل ان ينتشر في الجسم.
 لكن الجراحة بالنسبة إلى هذا النوع من السرطان ليس امرًا هينًا.
ولكن مما أفزع عائلته اصدقاء المقربين وكبار موظفين أبل وصدمهم، أن جوبز قرر عدم إجراء العملية.
وفي أثناء ذلك، توسلت إليه أسرته مجموعة صغيرة من الأصدقاء الذين يعرفون بمرضه. تحدثوا معه بانتظام طلبوا من الاطباء التحدث معه.تفهمت زوجته قلقه بشأن فتح جسمه، لكنها حاولت إقناعه بأن "الجسد موجود لخدمه الروح".
أجُريت له أشعه آخرى في يوليو 2004 ولم تكن الأخبار طيبة. بدا أن الورم كبير ربما أنتشر. غيّر جوبز رأيه أخيرًا، أجرى عليه الأطباء عملية "وبيل" المعدله 
خلقت المشاكل الصحية لجوبز تحديات كبيره لأبل. بينما فضّل الكثير من المديرين الكبار الاحتفاظ بالمشاكل الشخصية سرية، فإن الإختيار لا يكون بسيطًا حين تكون أسهم الشركة مطروحة للتداول العام.
منذ إصابته بالمرض، كما قال صديق لصحفي "نيويورك تايمز": (ركّز على شيئين بناء فريق في أبل وأسرته) وأضاف الصديق: كان هذا هو إرثه كل شيء آخر الهاء لا طائل من ورائه.
لم يعكس العمل شخصيته المتطلبه ومعاييره الرفيعة وحسب، لكنه عكس أيضًا أعتقاده بأنه لا يوجد مشكلة في أن تحاول وتفشل. وأشار أن كل الفنانين -ومنهم محبوبه "بوب ديلان-  يفشلون أحيانًا في الحقيقة، كما قال، لن يكونوا فنانين(( إلا إذا كانوا مُعرّضين لخطر الفشل)) 
من المؤكد أن أفكار أبل لم تنجح جميعها، مثلاً أول تلفزيون لأبل لم ينجح وتم التخلي عنه.
في 2009، بدأ جوبز العمل مع محرر سابق في مجلة "تايم" في سيرته.
في نوفمبر 2009، منحته "فورتشن" لقب "مدير العقد"، قائلًا ((إن العقد الماضي في التجاره ينتمي لجوبز)).

في يناير 2010 وهو لا يزال يبدو نحيلًا، عاد إلى خشبة المسرح ليقدم "الأيباد تابلت" باللمس، بسعر يتراوح من 499 دولارًا إلى 829 دولارًا.


باعت أبل 7,5 مليون "آيباد" بين أبريل ونهايه سبتمبر 2010. وإجمالًا مع ذلك المنتج الجديد ،والآيفون سريع النمو، وأجهزة "ماك" المجددة، أرتفعت مبيعات أبل إلى 65 مليار دولار في نهايه سنتها الماليه 2010. أرتفعت 50% في سنة واحدة.
في يناير 2011، أخذ جوبز إجازه مرضية أخري، كان يتحسن ثم ينتكس. أستجمع قواه بما يكفي للكشف عن "الآيباد2"  ألاخف قليلًا والاكثر رشاقة ،
 وظهر مره أخرى في ٦يونيو ليقدم خدمة "آيكلاود أبل"
استقاله جوبز في 24 أغسطس من منصبه مديرًا لأبل، أراد أن يفعل ذلك شخصيًا على الرغم من حاجته إلى كرسي متحرك ليفعل ذلك. أمام المديرين الذين دعموه وقتًا طويلاً، قرأ الخطاب الذي كتبه : 
_قُلت دائمًا إذا أتى اليوم ولم أعد قادرًا فيه على تلبية مهامي المتوقع مني كمدير لأبل،فسوف تكونون أول من أخبرهم وللأسف لقد جاء ذلك اليوم .
واوصى بأن يكون "تيم كوك" مديرًا ،وأضاف:
أؤمن بأن أفضل أيام أبل وأكثرهم أبتكارًا لم تأتي بعد. وانا أتطلع إلى مشاهدة نجاحها ومساهمة في دور جديد..
 وكان لا يزال يخطط للعمل في منتجات جديدة ولتقديم مشورة للستويق، طالما استطاع القيام بذلك.

في ٥ أكتوبر 2011 ،وبحضور زوجته وأطفاله وأختيه رحل ستيف جوبز.

منذ شبابه كان يقول للناس:
الحياة قصيرة وسنموت جميعًا قريبًا جدًا
 كان ذلك قولًا دراميًا وحقيقيًا أيضًا فقد كانت هذة الحياة، بشكل خاص قصيرة جدًا .

ترك الشركة  في قمة نجاحها كانت أبل التي  يديرها أكبر 15 مرة من تلك التي تولاها في 1997، في السنة المالية التي أنتهت قبل موته مباشرة، حقت أبل مبيعات بمبلغ 108 مليارات دولار.
في حفل التأبيني الذي أقامه موظفو أبل،قال "تيم كوك"المدير الجديد لأبل: إن من الدروس التي علّمها له جوبز أن

"البساطة قد تكون
 أصعب من التعقيد. عليك العمل بجدية ليصفى ذهنك بما يكفي لأن تجعله بسيطًا لكن الأمر يستحق العناء في النهايو لأنه بمجرد تحقيق ذلك، يمكنك تحريك الجبال ".

كان جوبز يدفع من يعمل معهم لم يكن يريد منهم أن يحاولوا .تخمين ما يريده أو يحاولوا أن يفكروا بطريقته. قال "كوك" :من بين آخر
النصائح التي قدمها لي ولكم جميعًا، ألا تسالوا ابدًا عما كان سيفعله لو كان في مكانكم. قال: افعلوا ما يصح فقط. بالإضافة إلى الأجهزة التي ترك جوبز الدروس التي تعبر عنها بقوة في خطاب ستانفرد وفي الطريق التي عاش بها:
 كان على يقين من أن قطع الأحجية ستكتمل، وكان يؤمن بأن المكافحة في الرحلة .

رحل "ستيف جوبز" بعد صراع مع المرض لكنه ترك شركة من عمالقة التكنولوجيا في العالم وبقيمة تتجاوز "٣ تريليون دولار".


لأن البشر الذين لديهم ما يكفي من الجنون للاعتقاد بأنهم يستطيعون تغيير العالم، هم من يغيرونه فعلاً.



 

Comments

Popular posts from this blog

ماري كوري - Marie Curie