ستيف جوبز وقصة صعود أبل الجزء الثاني


بعد انسحاب الشريك الثالث من أبل...
 سرعان ما انشغل ذهن جوبز وزنياك بالتفكير في أشياء أخرى غير ذلك العائق المفاجئ، ولما كان جوبز يحاول زيادة المبيعات للوحات الدوائر المائيه التي كان قد طلبها ، دخل الى محل جديد للكمبيوتر يسمى "بايت شوب " وبدأ بالتحدث الى بول تيريل، صاحب المحل واحد المترددين بانتظام على نادي كمبيوتر "هومبورو" مُروجًا لبضاعتة. كان تيريل يحاول اقامة سلسلة محلات تنافس بها "رديوشاك"، وسرعان ما مختصر الطريق على البائع الشاب اللحوح: لم يكن يحتاج الى لوحات الدوائر وكذلك زبائنه؛ فمحل الكمبيوتر يحتاج إلى كمبيوترات. واذا كانت شركة أبل صغيره تريد تزويد كمبيوترات فسيشتري 50 جهازًا مقابل 500 دولار تقريبًا للجهاز نقدًاـ 
صُعق جوبز كان يتطلَّع إلى بيع لوحات دوائر بمبلغ 50 دولارا تقريبًا، والآن صار في يده طلب بمبلغ 25,000 الف دولار، والتمعت عيناه لمجرد تخير منظر الدولارات المنتظرة.اتصل بوزنياك مباشرة وسأله :"هل انت جاهز "؟
ذهل وزنياك واصابته نفسه الصاعقةّ؛ فقد كان الطلب يساوي راتبه السنوي تقريباً ،اكثر بكثير مما كان يمكن ان يحلم به.
لكن لم يكن هناك قطع غيار في الشركة الصغيرة ،أو نقود لشرائها او مكان لتجميع الكمبيوتر فكيف يمكنها تلبية الطلب؟
لتأسيس شركة وإن كانت صغيرة، لابد من المال. وهكذا بحث جوبز في البداية عن نقود أو على الاقل عن شخص يوافق على ان يبيع له قطع الغيار بالاجل.
 ذهب الى بنك يطلب قرضًا. حاول أن يحصل على خط ائتمان في محله لقطع الغيار القديمه. سأل رؤسائه القديمى في "اتاري" عن امكانيه شراء قطع غيار منهم رفضوا جميعا أخيرًا حصل وزنياك على قرض صغير من بعض الاصدقاء بأن يبيع لهم قطع الغيار بالأجل كان أمام أبل 30 يومًا لتسديد الثمن واما بدأ احتساب الفوائد عليه.كان اتفاقًّا تجاريًّا معتادًا،لكن جوبز لم يكن يعرف ذلك
كانت المشكله التالية العثور على مكان تجميع الكمبيوتر الجديد. كان وزنياك في الخامسة والعشرين ومتزوجًا حديثًا، وكان يعمل فيه شقتة الضيقة وكان احباط زوجته "أليس" يتفاقم كان زوجها يعمل دائمًا،إما في "هيوليت باكارد"وإما على الكمبيوتر الجديد، وكانت المائدة الطعام مليئه بأشياء لا يمكن تحريكها.
وكان جوبز في الحادية والعشرين من عمره وقتها وعاد ليعيش في بيت اهله من جديد .استولى على غرفه النوم القديمة لاخته "باتي"، ونظَّم قطع الغيار في الخزنه بأدراج. كما استغل ايضًا "باتي"، التي كانت قد تزوجت في انتظار طفلها الاول، لتجميع كل قطع الغيار في لوحات الدوائر المطبوعه الجديدة، مقابل دولار لكل لوحه بين العمل في غرفته وغرفتها القديمة، تم تجميع الأجهزه الأولى.
اصبح المنزل مزدحمًا فقرر بول، والد جو ان شركه تحتاج الى الانتقال الى مكان جديد وهذا وهكذا نقل الأب الشركة إلي جراحه الاثري.
                       أول"ماكنتوش"١٩٨٤"

حتى "كلارا"،والدة جوبز، انهمكت في العمل بالرد على التليفون، والترحيب بمندوبين مبيعات والزبائن المحتملين
مع مبيعاتها الأولى، نُشر اول مقال صحفي عن أبل . في يوليو 1976، ذكرت مجله "انترفيس" أن جوبز الذي كان مستثمرًا خاصًا "لاتاري" أصبح مدير التسويق وأن وزنياك "المبدع المبتكر الموهوب" أصبح مدير الهندسة.وقالت ببعض المبالغة إن "جوهر" الشركة هو:(( مجموعة منضبطة وذات نظام مالي سليم تفتح آفاقًا جديدة فيما يتعلق بالاجهزه الكمبيوتر وبرامجها، وخدمة عملائها)).
على الرغم من مبيعات الكمبيوتر الجديد،  كان جوبز في حيرة من أمره؛ كان لم يزل يبحث عن معنى أعمق في حياته، وكان يفكر بجدية في حزم أمتعته والذهاب إلى دير "زن" في اليابان.بينما كان وز يقيَّم مستقبله ويشرف على صناعة الكمبيوتر الاول ومبيعاته وتسويقه، كان وزنياك قد بدأ بالفعل في كمبيوتر آخر ،صمم خصيصًا لأشيائه المفضلة. توصل إلى طريقة تجميع كمبيوتر يولد ألواناً بحيث يمكن تشغيلها على التلفزيون الملون ولانه كان يريد ان يلعب "أتاري" "بريك أوت" على ابتكار جديد اضاف الصوت والرسوم وامكانيه اضافه أدة يمكن ان تمسك بها في يدك وتحرك بها الاشياء على استطاع ان يبني لغه "البيسيك" في النظام وهي لغة كمبيوتر طُورت في الستينات لتساعد الطلاب في تعلم كتابة برامج الكمبيوتر
وبينما كان وزنياك ينهي تصميم،اختلف مع جوبز وطال النقاش،لكن وزنياك الذي كان يعرف أن المشترين المحتملين للكمبيوتر سيرغبون في تحسين مشترياتهم والتعديل عليها ،اصر على موقفه، اقنع جوبز في النهاية.في يناير 1977، تأسست رسميَّا شركة أبل للكمبيوتر، بمشاركة جوبز ووزنياك و"ماركولا" في الملكيه بالتساوي وحفظ جزء صغير من الملكيه لآخرين.  

لإكمال فريقه احضر "مايكولا" "مايك سكوت" وهو صديق قديم وزميل سابق ليتولي رئاسه الشركة
كانت مهمه سكوت تنظيم العمل غير المنظم والسيطرة على شطحات جوبز لكن منذ البداية أصطدم اسكت الحاد والمزاج احيانًا بجوبز الانفعالي والفظ غالبًا
بوصول سكوت انتقلت أبل من الجراج إلى أول مكتب لها وكان من مهامه الأولى وضع جدول رواتب مناسب
بينما انشغل وزنياك بالعمل في لوحة الدوائر الجديدة، ركَّز سكوت على التصنيع، وأهتم "ماركولا" بالتسويق والمال، وتولَّى جوبز كل شيء آخر له علاقه بالمكتب وابل٢،واشتهر بالاهتمام الشديد بأدق التفاصيل حين وصلت الآلة الكاتبه للمكتب، غضب لانها زرقاء وليست بلون اخر يبدو محيدًا أكثر حين أحضرت شركه التليفونات تليفون بلون غير مناسب، أهتاج حتى تغيرها. كما كان يريد مكاتب بيضاء لا رماديه
تعلقت اعظم متطلبات جوبز بالكمبيوتر نفسه.رفض أول تصميم للوحة الدوائر مطبوعة لأن الخطوط لم تكن مستقيمة بشكل كاف، على الرغم من أن اللوحه لن تكون ظاهرة لمالكي الكمبيوتر.وُظف اخصائًي لتصميم وصلات الكهرباء بحيث لا تحتاج إلى مروحة مزعجة للتبريد .
قالت مجلة "تايم" ذات يوم أن وزنياك كان: ((رجلًا يمكنه رؤيه قصيدة شعرية في دوائره الالكترونية))كان الجوبز في المقابل يمكنه التطلع إلى صندوق بيج ويرى جمالاً فيه تخيل كمبيوتر جميلًا وانيقًا بقدر ما هو مُفيد. يمثل تلاقيًا بين التكنولوجيا والفن بما يؤدي إلى شيء مميز حقًّا. شكلت هذه الرؤية، بدرجات متفاوتة من النجاح، دفعًا له طوال بقية مساره العملي.
بدأ الاستثمار الأوَّل ل"ماركولا"ينفد تقريباً في أواخر 1977، وحصلت الشركه على تمويل من الخارج لأول مرة في أوائل السنه التالية مع ظهور أبل 2 ارتفعت قيمه الشركة من 5309 دولار، لتصل إلى ثلاثة ملايين دولار  بعد سنة فقط. اشتري المستثمرون الجدد مزيدًا من الأسهم في سنة 1979 وسنة 1980، وفي كل مرة كانوا يدفعون اكثر من المرة السابقو انخفضت مشترياتهم نسبة الملكية التي يحتفظ بها جوبز، لكن حيث أن المستثمر كان يدفع أكثر ممن سبقه فقد ارتفعت قيمه أسهمه .
ماذا عن النتيجة؟ عندما أصبح جوبز في الثالثة  والعشرين من عمره، كان يمتلك ما يزيد قيمته عن مليون دولار، وفي سن الرابعة والعشرين قُدرت ثروته بأكثر من 10 ملايين دولار. في سنة 1979 باع كلٌّ من جوبز و"ماركولا"  ما يزيد قيمته على مليون دولار من أسهمها. 
بعد رحيل "مايك سكوت"، كانت أبل في حاجة إلى قائد حقيقي ،شخص يستطيع توجيه طاقه جوبز وشغفه ويُحسن الاستفادة من كل ما في الشركة من ذكاء وقدرات ابداعيو خلَّاقة شابة. في 1982، قاد هذا البحث الى جوبزو"ماركولا"الي "جون سكُلي"  القائد النشط لشركة "بيرسيكو".
انضم سكلُي وهو في الرابعة والاربعين إلى أبل في ربيع 1983 براتب مليون دولار  ووعد بمليون آخر كعلاوة.
سارت الامور بينه وبين جو بشكل رائع في البداية، وكان يتحدثان عده مرات يوميًا، ويسيران لمسافات طويله معًا، وأصبحا مقربين للدرجة التي أصبح كل منهما يفكر كالآخر، بل ويعلم ما هو على وشك قوله ،حتى أن جوبز في اثناء تناول الفطور ذات يوم في منزله مع سكلُي وزوجته، اخبرهما عن سبب تعجُله بهذه الطريقه. قال لجوبز:(( وقتنا جميعًا قصير على هذة الارض، على أغلب الأمر لا تتوفر لنا سوى بضع الفرص للقيام بأشياء عظيمة ولتحقيقها بشكل جيد حقًّا.. أشعر بأن عليَّ أن أحقق الكثير من هذة الأشياء وأنا شاب )).
ليحقق حلمه، أراد أن يكون سعر ماكنتوش 2000 دولار، ولكنه كان يريد ايضًا ميزانية دعاية ضخمة اخبره سكلُي بأنه لا يستطيع تحقيق الأمرين معًا، فإذا كان سينفق الكثير على التسويق، لابد ان يؤخذ ذلك بعين الإعتبار عند تحديد السعر. واقنع جوبز في النهاية بأن عليه أن يبيع ماكنتوش بسعر 2,495 دولارًا،وهو سعر رأي جوبز أنه مرتفع جدًّا.
على رغم هذا الاختلاف قام سكلُي بحمله دعائية هائلة لإطلاق  الكمبيوتر الجديد تم إعداد إعلان تليفزيوني خاص تميَّز بالغرابة بكونه غير تقليدي بمقارنة بأي إعلان تم إنتاجه. 

قال جوبز متذكرًا كيف بدأ هو ووزنياك في جراج عائلته:(( كنت محظوظًا وجدت في وقت مبكر من حياتي  ما أحب القيام به)).
 كان سعيداً بمساعدة أبل في نمو مبيعتها إلى مليار دولار تقريباً، مع وجود أكثر من 4000 موظف، في عشر سنوات كان الماكنتوش قد أحدث تاثيرًا هائلاً  في عالم الكمبيوتر في الوقت الذي كان فيه سوبر مان التكنولوجيا يبلغ 30 من عمره.

 ثم اضف :((وطُردتُ)).


بدون أبل كان جوبز مرتبكًا ومدمرًا، غير متأكد مما عليه أن يفعل بعد ذلك. لكنه قال فيما بعد:(( تذكرت فاجأة أنني لا أزال أحب ما أفعل حتى بدون أبل كان لم يزل بإمكانه السعي وراء رؤيته وشغفه، محاولاً ابتكار منتج جديد آخر)) .وهكذا قرر ان يبدأ شركة أخرى .

في البداية وافق مجلس إدارة أبل على بدء شركة جديده وفكروا حتى في الاستثمار فيها لكن خلال ايام، علم أعضاء مجلس الادارة أن جوبز رتب الأمر مع خمسة من المهندسين ومندوبي المبيعات ..
كان رد فعل ابل هو مقاضاة جوبز واتهامه بأنه أخذ معه اسرارًا تجارية.
بانفصاله عن أبل، وضع جوبز أمواله في شركتين سنة 1986. استثمر في البداية سبعة ملايين دولار في شركة كمبيوتر جديد اسسها وسماها ((نيكست)). وأنفق خمسة ملايين دولار لشراء صانع صغير ل"جرافيكس" الكمبيوتر يسمى "بيكسار" من مخرج فلم "حرب النجوم"، "جورج لوكاس"، مع موافقته على استثمار خمسة ملايين دولار أخرى في المجال .
هذا المرة كان الجوبز حرًا في القيام بما يريد حين يريد.
 قد اكتشف الشئ الذي يمنح حياته معن -في تلك الفترة على الأقل، وكان هذا الشيء هو العمل. كتب الصحفي "جونو سير" في مجلة "إكسوايرا" :"ليس أي عمل وحسب، لكن نوع العمل الذي لا يتوقف. والذي لا يعطيك فرصة لفعل شيء آخر)). وقال جوبز:(( إذا أردت أن تنجز شيًئا مهمًا ينبغي أن يكون لديك رؤيه عميقه لا تحيد عنها ولا ترى شيئًا غيرها)).
في العام التالي حصلت نكست على دفعة قوية؛ حين رأى ملياردير الكمبيوتر "ه‍.روس بروت"  
برنامج على قناة "بي بي سي" يظهر فيه جوبز  فاتصل بالمبتكر الشاب وانتهى الامر بدفعه "بروت" 20 مليون دولارا تمثل 16% تقريبا من المبلغ الأولى. 

في أكتوبر 1988، أُعلن عن الكمبيوتر رسميًّا في معرض جذاب أمام ثلاثه آلاف من العاملين بمجال التربيه والتعليم.
حين سأل صحفي عن تأخير ظهور الجهاز، لم يهتز جوبز وسارع بالرد قائلًا :((أنه لم يتاخر، بل انه يسبق زمانه بخمس سنوات)).

وبينما ركز جوبز معظم انتباهه على "نيكست" ترك المديرين في بكسار يديرون الشركة، لكن كان يجتمع بهم بانتظام ويتخذ القرارات المالية الرئيسية 
بينما كانت الكمبيوترات تمثل انجازًا وتقدمًا كبيرين بالنسبه الى ديزني، كانت محطات العمل ذات الاغراض العامة  تقوم في النهاية بالمطاف بنفس الاشياء ولما ادرك جوبز أن الكمبيوترات لا تباع أغلق  مكاتب المبيعات، وفي 1990 باع القسم المختص بأجهزة الكمبيوتر من شركه "بكسار".
قال"ألفي رأي سميث" فيما بعد:((أحقاقًا للحق  فإن "بكسار" مثل "نكيست" كان ينبغي ان تفشل، لكن بدا لي أن جوبز لن يقبل بالهزيمة)). 

كان هناك شعاع واحد من الأمل. كانت شركة "والت ديزني"  العملاقة قد لاحظت أعمال "جون لاسيتر"، واهتمت بتمويل فيلم طويل بالرسوم المتحركه تنتجه "بكسار" كانت الفكرة واضحه في ذهن لاسيتر : قصه عن لعب تتوق لأن يلعب بها الاطفال، وكان العنوان المناسب هو "حكاية لعبة". في أعقاب دمار وفشل الشركتين هل في إلامكان أن تأتي نهايه سعيدة؟

وقتنا جميعًا قصير على هذة الارض، على أغلب الأمر لا تتوفر لنا سوى بضع الفرص للقيام بأشياء عظيمة ولتحقيقها بشكل جيد حقًّا.. أشعر بأن عليَّ أن أحقق الكثير من هذة الأشياء وأنا شاب.

 إذا أردت أن تنجز شيًئا مهمًا ينبغي أن يكون لديك رؤيه عميقه لا تحيد عنها ولا ترى شيئًا غيرها.



Comments

Popular posts from this blog

ماري كوري - Marie Curie